رسوم الأراضي البيضاء .. دول تفرضها لتشجيع التطوير وأخرى لمحاربة المضاربة

2025/09/21 14:23 توقيت العربي

كان عالم الاقتصاد والسياسة والصحفي الأمريكي هنري جورج أول من اقترح فكرة فرض رسوم إضافية على الأراضي البيضاء، أي غير المطوّرة، عام 1979، بهدف الحد من المضاربة وتحقيق قيمة مضافة. وأصبح فرض هذه الرسوم أمرا شائعا، تلجأ إليه عدة دول، إما لتشجيع التطوير أو منع اكتناز الأراضي والمضاربات عليها، وفقا لصندوق النقد الدولي.

عام 1978، عندما ارتفعت أسعار الأراضي بنسبة 136% في سيول في كوريا الجنوبية بسبب المضاربة بشكل رئيسي، اضطرت الحكومة إلى فرض رسوم على الأراضي المكتنزة. كما فرض عديد من الدول رسوما على الأراضي غير المطورة، وحتى العقارات الشاغرة، بما في ذلك دول نامية مثل البرازيل وفنزويلا وناميبيا، التي تطلق على هذه الرسوم اسم "الشرط الجزائي للبناء".

أصبح العالم اليوم يواجه أزمة سكن تستدعي بناء نحو 100 ألف وحدة جديدة يوميا في أنحاء العالم حتى عام 2030، بحسب ما قاله لـ "الاقتصادية" في وقت سابق الاستشاري الاقتصادي في الأمم المتحدة واتسون ويليامز، وهو الأمر الذي توقعه البنك الدولي قبل سنوات، عندما حذر من أن أزمة السكن ستؤثر في 1.6 مليار شخص بحلول 2025.

أحمد الشهري، الخبير في السياسات الاقتصادية العامة، يوضح أن "أي أصول تتم عليها مضاربة تُفرض عليها رسوم أرباح، بهدف معالجة مشكلة اقتصادية، لا لتحقيق إيرادات مالية".

وقال لـ "الاقتصادية: "بعض سياسات الرسوم في الدول تستهدف كذلك معالجة بعض اختلالات السوق، سواء العقارية أو غيرها، وهذه نفس الطريقة التي تقدم في السعودية".

السعودية ليست بمعزل عن العالم

يحذر خالد بن شاكر المبيض، الرئيس التنفيذي لشركة "منصات" العقارية، من أنه في حال غياب الرسوم "يتحول العقار، وخصوصا الأراضي الكبيرة داخل المدن، إلى أداة مضاربة، ما يرفع الأسعار بشكل مصطنع ويزيد صعوبة الوصول للسكن. التجارب العالمية أثبتت أن مثل هذه الرسوم تقلل من الممارسات الاحتكارية وتشجع على ضخ الأراضي في السوق".

وقال لـ "الاقتصادية": "السعودية ليست بمعزل عن أزمة السكن العالمية، بل تواجه تحديا خاصا مع النمو السكاني وتزايد الطلب من الشباب على السكن".

كانت السعودية من بين الدول التي فعلت برنامج رسوم الأراضي البيضاء قبل نحو 8 أعوام بمبادرة من وزارة البلديات والإسكان، حيث فُرضت رسوم تصل إلى 5% لزيادة المعروض العقاري وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، والحد من الاحتكار وحماية المنافسة العادلة.

في أغسطس الماضي، أُعلنت لائحة تنفيذية جديدة تصل رسوم الأراضي البيضاء فيها إلى 10% من قيمة الأرض للشريحة ذات الأولوية القصوى للتطوير العمراني في العاصمة الرياض.

ادخار واستثمار وتحوط على حساب التطوير

الشهري قال لـ "الاقتصادية": "إن إشكالية قطاع الأراضي في السعودية أنه قطاع فيه سيولة عالية، حيث يلجأ إليه من يملك مبلغا من المال كوعاء ادخار أو وسيلة للتحوط. كذلك بعض القطاعات الاستثمارية يتم ضخ أموالها في شراء الأراضي".

"بذلك تختلف الأهداف، فالبعض يهدف إلى تحقيق أرباح رأسمالية من الأصول، وهناك فئة تتحوط من التضخم، بينما هناك فئة ثالثة، وهي الشركات، تشتري أراضي بيضاء بهدف إستراتيجي بعيد، أو لرفع تقييم الشركات، أو سعيا لنمو رأسمالي طويل الأجل وتحقيق أرباح، على حساب عملية التطوير".

في المقابل، تشير الإجراءات الحكومية، بما في ذلك رسوم الأراضي البيضاء، إلى رغبة في زيادة معدلات التطوير، "فالحكومة يهمها ألا تتعطل الممكنات، وأن تزيد تمكين عملية التطوير وتتأكد أن هناك عرضا وطلبا وممكنات. الأرض يجب التعامل عليها كممكن وليس كجانب استثماري"، بحسب الشهري.

يؤكد خبير الاقتصاد كذلك أن تطوير الأراضي يعطي قيمة مضافة للأرض، بينما تساعد زيادة المعروض على انخفاض تكلفة البناء الكلية، وهو ما ينعكس على أسعار الوحدات.

المبيض وصف بدوره السياسات التي تسرّع التطوير العقاري مثل رسوم الأراضي البيضاء بأنها "تصبح أداة أساسية لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، المتمثلة في رفع نسبة التملك".

بوجوتا الأعلى في رسوم الأراضي غير المطورة

استخدمت العاصمة بوجوتا ضرائب الأراضي الشاغرة لمعالجة المضاربة. فقد طبّقت معدلات ضريبية مرتفعة على الأراضي الحضرية غير المطوّرة، كما أن لديها بندا يسمح للمدينة باستصلاح الأراضي التي ظلت شاغرة لأكثر من عامين وبيعها بالمزاد العلني.

فرضت كولومبيا في عام 2016 رسوما هي الأعلى على الأراضي الشاغرة غير المستغلة في العاصمة بوجوتا، خاصة على الأراضي الواقعة في المناطق الحضرية.

بينما تراوح الرسوم التي يفرضها قانون الضريبة الموحدة على العقارات بشكل عام بين 5.5-12.3%، فإن الرسوم السنوية المقررة على الأراضي غير المستغلة قد تصل إلى 33% بموجب القانون، بحسب موقع "ذا لاتين إنفستور".

من كوريا إلى أمريكا .. رسوم إضافية على الأراضي الشاغرة

عندما سجلت أسعار الأراضي في كوريا الجنوبية ارتفاعا كبيرا عام 1978 بسبب المضاربة بشكل رئيسي، فرضت الحكومة رسوما نسبتها 5% على الأراضي التي تترك بدون تطوير لأكثر من عامين، وتصل إلى 8% إذا ظلت شاغرة لأكثر من 5 سنوات.

بحسب وثيقة للبنك الدولي، كانت هذه الرسوم في تلك الفترة تطبّق على الأراضي التي تزيد مساحتها على 660 مترا مربعا، وكانت تهدف إلى دفع المطورين لاستغلال تلك الأراضي.

وتستهدف الحكومة الكورية حاليا بناء 270 ألف وحدة سكنية سنويا في سيول الكبرى حتى عام 2030، بهدف إيجاد 1.35 مليون مسكن جديد بنهاية الفترة.

أما في أيرلندا، فإن رسوم الأراضي الشاغرة على الأراضي الصالحة لبناء مساكن تبلغ 3% من القيمة السوقية للأرض، بعد أن خفضت العام الماضي من 7% في السابق.

شهدت كذلك ولايات أمريكية في الماضي فرض رسوم على الأراضي الشاغرة. ففي بتسبرج في ولاية بنسلفانيا، فُرضت رسوم تعادل 6 أمثال المفروضة حينها على الأراضي المستغلة، وفي واشنطن العاصمة فرضت رسوم إضافية سنوية أعلى بنسبة 5% عن المعتاد.

ملبورن الأسترالية ستفرض أيضا رسوما تصل إلى 3% على الأراضي الشاغرة، وسيبدأ جمعها اعتبارا من بداية العام المقبل.

محاربة الاكتناز والمضاربة لا تقتصر على الأراضي

كانت مدينة فانكوفر الكندية أول مدينة في أمريكا الشمالية تفرض رسوما على المنازل الشاغرة عام 2017، لمعالجة نقص المساكن. تطبق هذه الرسوم على المنازل التي تُترك شاغرة لمدة 6 أشهر أو أكثر، وقد زادت إلى 3% اعتبارا من عام 2023، وتستخدم إيراداتها في دعم الإسكان الميسور التكلفة.

أما ملبورن الأسترالية فتضاعف الضريبة العقارية على المنازل الشاغرة لتشجيع الملاك على تأجير أو بيع العقارات الخالية.

تفرض أيرلندا كذلك رسوما على المساكن إذا كانت فترة إشغالها في العام أقل من 30 يوما، وتصل إلى 5 أمثال الرسوم الضريبية الأساسية على العقارات.

في مصر، تفرض الدولة رسوما ضريبية على العقارات، مع تقديم استثناءات للوحدات المخصصة للسكن الشخصي. تبلغ قيمة هذه الرسوم 10% من القيمة الإيجارية السنوية، وفقا لبيانات وزارة المالية، وهو ما يشجع الملاك على استغلال هذه الوحدات عبر التأجير لتغطية الرسوم وتحقيق عائد بدلا من أن يتحملوا عبئها بأنفسهم.

المملكة المتحدة تفرض رسوما إضافية على امتلاك منزل ثان والمنازل الشاغرة، والتي تعرّف بأنها "المؤثثة التي لا يعيش فيها أحد". تتحدد الرسوم على أساس فترة شغور العقار، وقد تصل إلى 4 أمثال قيمة الرسوم الضريبية من المعتادة.

جريدة الإقتصادية