محفظة صكوك تحمي من تقلبات الفائدة

2025/05/18 04:34 توقيت العربي

في الوقت الذي ينتظر فيه المستثمرون خفض أسعار الفائدة، تواصل البنوك المركزية - وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي - الإشارة إلى أن الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة أطول، هذا الواقع الجديد يكشف عن خطر صامت يتعرض له كثير من مستثمري الصكوك والسندات، ألا وهو بقاء أسعار السندات تحت ضغوط أسعار الفائدة مرتفعة، والسبب يعود إلى طبيعة عمل السندات التي ترتفع أسعارها - وبالتالي يربح مستثمروها - حين تنخفض أسعار الفائدة، حيث يمكنهم بيع السندات بأسعار أعلى من أسعار شرائها، مع احتفاظهم بما تم الحصول عليه من عوائد دورية موزعة. فمثلاً من اشترى سندات لأجل 10 سنوات في 2021 بعائد 3%، يرى اليوم أن السندات الجديدة تمنح 5%، لذا تنخفض جاذبية ما لديه من سندات وينخفض سعرها السوقي، ولو قرر البيع مبكراً فسيتلقى خسارة كبيرة، فما الحل؟

هذا النوع من المخاطرة يعالج بإستراتيجية معروفة - تسمى سلم السندات - يمكن من خلالها بناء محفظة صكوك أو سندات لآجال متفاوتة، مثلاً 3 و5 و7 و10 سنوات، ومع مرور الزمن ينضج جزء من المحفظة، فتتم إعادة استثماره بعائد السوق السائد في ذاك الوقت، فيحصل المستثمر على تدفقات نقدية منتظمة، وفي الوقت نفسه يقلل من مخاطر إعادة الاستثمار بأسعار منخفضة مستقبلاً. أي إن الفكرة هي الحد من تأثير تقلبات الفائدة في كامل المحفظة، فالفائدة الأمريكية حالياً نحو 4.5%، ويبدو أنها ستظل كذلك حتى نهاية 2025 وربما أبعد من ذلك، وبالتالي فالمستثمرون الذين يربطون أموالهم لفترات طويلة دون مرونة يخاطرون بتآكل عوائدهم الحقيقية، لكن إستراتيجية السلم تمنحهم المرونة اللازمة لإعادة التوزيع والفرصة للاستفادة من تحركات السوق تدريجيًا.

المشكلة مرة أخرى تكمن في صعوبة معرفة مسارات الفائدة، بغض النظر عن التوقعات ومدى اقتناع الشخص بها، فلا أحد يعلم أين ستتجه الفائدة صعوداً أو هبوطاً أو بقاءها عند مستوياتها الحالية لفترة طويلة. لذا فالحلول الاحترافية تتطلب أدوات تحوط، لكن المستثمر العادي يستطيع "التحوط" من خلال إستراتيجية السلم هذه. ماذا لو قرر شخص وضع أمواله كاملة في سندات 10 سنوات وضمان عائدها الحالي، مثلاً 5%، ألا يكون قد اتخذ القرار السليم بضمان عائد مرتفع نسبياً؟ كلا، فالمشكلة أن سعر السند يتأثر سلباً بارتفاع معدل الفائدة، وكلما طال أجل السند زاد تأثره بسعر الفائدة، فمثلاً ينخفض سعر سند لأجل عام واحد بنسبة نحو 1% لو ارتفع معدل الفائدة 1%، بينما ينخفض سند 10 سنوات بنحو 9% لو ارتفعت الفائدة 1%. لذا فالمراهنة على انخفاض معدل الفائدة في السنوات المقبلة يعد مخاطرة عالية، والحل هو تنويع محفظة السندات إلى عدة آجال، بحيث لو ارتفعت أسعار الفائدة فستكون هناك سندات تنتهي قريباً ويحصل المستثمر على رأسماله منها سريعاً ويقوم باستثماره في سندات أعلى فائدة. وفي حال انخفضت أسعار الفائدة، سترتفع أسعار جميع السندات، خصوصاً طويلة الأجل منها، فيمكن البيع وتحقيق أرباح كبيرة، لكن بالطبع ستكون عوائد السندات الجديدة أقل، بحكم انخفاض معدل الفائدة.

في السعودية شهدنا في السنوات الأخيرة إصدار عدد من الصكوك من قبل البنوك السعودية، وكثير منها يتم في أسواق خارجية وبعملات أجنبية، كالدولار واليورو، من خلال بورصة لندن وغيرها، فعلى سبيل المثال صكوك الأهلي بالدولار تستحق في 2025، وصكوك بنك الرياض باليورو في 2027، وصكوك الراجحي بالدولار في 2029، وهذا الأسبوع بنك البلاد يعلن طرح صكوك في بورصة لندن مقومة بالدولار، وغيرها، من صكوك وسندات مقومة بالريال داخلية وخارجية. مثل هذه الإصدارات تعد فرصة لبناء سلم زمني متنوع، ورغم أنه صعب بعض الشيء على كثير من المستثمرين الأفراد الدخول المباشر إلى سوق السندات العالمية، إلا أن هناك أدوات كثيرة متاحة لتحقيق ذلك، منها صناديق السندات المحلية، مثل صناديق الصكوك المقدمة من عدد من المؤسسات المالية المحلية والبنوك، التي تستثمر في آجال متفاوتة.

هذه ثقافة جديدة لإدارة السيولة في ظل تقلبات الأسواق وغياب الوضوح بشأن مسار الفائدة، حيث تأتي إستراتيجية "سلم السندات" كوسيلة ذكية للمستثمر الباحث عن استقرار العائد وتوزيع المخاطر، وهي بالطبع ليست حلاً سحريًا ولا تناسب جميع المستثمرين، وتعتمد على العائد المطلوب للمستثمر ومقياس الشهية نحو المخاطرة لديه، لكنها تعد نهجاً منضبطاً لإدارة السيولة وتحقيق التوازن بين العائد والسيولة والمرونة.

العربية.نت